تقديم عام
حظي موضوع الاقتصاد الاجتماعي بأهمية خاصة من لدن العقل الاقتصادي الليبرالي منذ وقت مبكر، إذ منذ الهزات الاقتصادية التي عرفتها أوروبا في مرحلة ما بين الحربين العالميتين، والأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 التي خلفت برمتها مأسي اجتماعية لدى مختلف الأسر الأوروبية وغير الأوربية، تنامى الإدراك بحجم الهشاشة التي آلت إليها المنظومة الاقتصادية، وانعكاساتها السلبية على الوضعية الاجتماعية للأفراد والجماعات وهي ظروف جعلت منظومة الاقتصاد الاجتماعي تتبلور في ظل إيديولوجيات متعددة ظهرت في واقع يتسم باختلال وتفاوت واضح بين فئات اجتماعية استفادت كثيرا من التنمية وبين فئات أخرى تعاني من فقر مدقع ولم تستفد منها.
ووعيا منهم بفداحة الأمر، اتجه رواد التفكير الاقتصادي نحو إيجاد حلول وسبل للحد من اختلال التوازنات وتراكم التناقضات الداخلية للنظام الرأسمالي، فكان من اللازم طرحأسئلة جديدة حول طبيعة السياسة الاقتصادية التي يجب اتباعها، بما في ذلك من برامج وبنيات وهياكل، وآليات ومؤسسات للتنفيذ والتدبير. فاستقر الحال على صياغة أطروحات جديدة سمحت بإعادة تأصيل الثوابت المؤسسة للنظام الرأسمالي ككل لضمان انطلاقة ودفعة جديدة له، وذلك عبر جعل العنصر البشري في قلب أي صياغة للتوازنات الاقتصادية، أي أن الإنسان على اختلاف أدواره ومواقعه الاجتماعية يجب أن يظل ضمن الأولويات في بنية الاستثمار الرأسمالي.
تأسيسا على هذه الروافد، تشكل مفهوم الاقتصاد الاجتماعي الذي يسعى إلى التوفيق ما بين النجاعة الاقتصادية وما بين مبادئ الإنصاف والعدالة الاجتماعية. وهو يهدف بذلك، إلى جانب تحقيق المكتسبات المادية والربحية، إلى الاستجابة لحاجيات الشرائح المجتمعية المحرومة والمهمشة. الأمر الذي لن يتحقق إلا عبر سيادة علاقة التضامن الاجتماعي وجعلها ضمن الأولويات الأساسية للبرامج الحكومية. بهذا الشكل يساهم الاقتصاد الاجتماعي في دمقرطة الاقتصاد انطلاقا من التزاماته تجاه كافة المواطنين. وهو ما يأتي انسجاما أيضا مع ما يصطلح عليه بالشرعية الدولية للحقوق التي تتألف علاوة على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق
7
المدنية والسياسية، والتي توصي على عدد من المبادئ المهمة لوضع هذه الحقوق موضع التنفيذ. مما يفرض تعبئة الجهود الجماعية بهدف تطوير الجماعات، واتباع معايير عالمية تفضي إلى تحقيق العدالة المجالية والاجتماعية والرفاه المجتمعي وتعزيز المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين، هذا إلى جانب تمكين الفرد قدر المستطاع من المشاركة الفعالة والبناءة في التدبير المجتمعي الأمر الذي يعتبر من مسؤولية الجميع، فتوطيد الحقوق الاقتصادية وإقامة الاقتصاد الاجتماعي ملقى على عاتق الدول والهيئات والمؤسسات والجهات الفاعلة غير الحكومية على حد سواء، حتى يتسنى ترسيخ ثقافة الاقتصاد المواطن، الذي يكفل معايير اقتصاد السوق، دون أن يغفل ضمان حقوق الفئات المعوزة والهشة باعتبارهم شركاء وأطراف في إنتاج الثروة داخل المجتمع.
وقد شكلت المطالب الاجتماعية وتحقيق الكرامة الإنسانية، إبان الحراك الذي عرفته المنطقة العربية عامة والمغرب خاصة، أحد الدوافع الأساسية للتفكير عميقا من لدن الحكومات. في سبل الاستجابة لهذه المطالب ذات الطابع الاستعجالي، عبر سن شبكة برامج وسياسات عمومية وإقامة مؤسسات ترتكز أهدافها بدرجة أولى على كل ما هو اجتماعي، من خلال تقديم منتجات وخدمات ترتكز على العنصر البشري، وتندرج في إطار التنمية المستدامة ومحاربة الإقصاء.
وبدوره سلك المغرب هذا التوجه في معالجة إشكالية الهشاشة الاجتماعية، خصوصا في ظل الوضعية السوسيو - اقتصادية المتدنية للشريحة الفقيرة والمعوزة، والطابع غير المهيكل الذي يهيمن على جزء كبير من علاقات العمل بمختلف القطاعات المنتجة والهشاشة الكبيرة الناتجة
https://drive.google.com/file/d/14ok_Gy20_F1Ogg5rH3HPQg1McAAD-cjR/view?usp=drivesdk
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- رسالة ماستر بعنوان عقود المشتقات المالية
- رسالة ماستر بعنوان مسؤولية الطبيب عن الشهادة الطبية
- اختلال التوازن المالي لعقود الاستثمار الاجنبي ودور الوسائل البديلة في معالجته
- رسالة لنيل دبلوم الماستر حول موضوع خصوصيات نظام المقاول الذاتي بالمغرب
- رسالة ماستر بعنوان شغب الملاعب أثناء المباريات و التظاهرات الرياضية على ضوء القانون 09.09
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- أطروحة منظومة الأوقاف العامة بين التأطير القانوني و الفقهي و القضائي
- أطروحة دكتوراه بعنوان مسؤولية الطبيب
- إثبات دعوى استحقاق العقار غير المحفظ
- أطروحة سلطة القاضي في الاثبات في المادة المدنية
- أطروحة حماية المستهلك بين القوانين العامة والخاصة
- دور السياسة الجنائية في تحقيق الأمن الرياضي أطروحة دكتوراه
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان الدليل العملي و دوره في اقناع القاضي الجنائي
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان الجريمة المعلوماتية على ضوء العمل القضائي المغربي
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان القضاء الإستعجالي في المادة الإدارية
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان إشكاليات الحمل خارج مؤسسة الزواج
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان أحكام التعدد بين مدونة الأسرة و العمل القضائي
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان دعوى إتمام إجراءات البيع من خلال العمل القضائي