مقدمة
يعتبر القضاء عنوان نهضة كل دولة، ومعيار تقدمها ومظهر رفيها، وما من دولة تخلف فيها القضاء إلا تخلفت عن ركب المدنية وأسباب الارتقاء، وذلك باعتباره مناط تحقيق العدل والعدالة، فمنذ ظهور الإنسان كان العدل ولا يزال حلم حياته وأمل مفكريه وجوهر شرائعه و سياح أمنه، وكذلك كان وسيبقي رائدا الركبه على طريق الرجاء والتقدم والسلام، وإذا كانت التشريعات الموضوعية موطن العدل و فحواه فإن القوانين المسطرية هي الطريق إلى ذلك العدل، أي أن تكون أداء طبيعية لعدل سهل المثال حريص على من الدوافع التي تسلل منها محترفي الكبد وتجار الخصومة .
ويعتبر عامل الوقت ذو أهمية كبيرة في القوانين المسطرية ذلك أن علاقتهما حميمية جدا وأصلية، ومع ذلك لم تلق تلك العلاقة العناية الواجبة والمتناسبة مع أهميتها، خاصة في ظل تفشي ظاهرة البطء في التقاضي، فالعدالة ليست هي إعطاء كل ذي حق حقه فقط ولكنها إعطاء كل ذي حق حقه في الوقت المناسب لذلك قيل أن العدل البطيء هو والظلم سواء".
ومن المتفق عليه أنه إذا كان حق اللجوء إلى القضاء والخضوع لأحكام القانون حق اختياري من قبل المخاطبين به، فإن المخاطب بالقانون إذا ما لها إليه الإنزال حكمه على واقعة ما فإنه محكوم باحترام حق التقاضي وعدم التعسف في استعمال هذا الحق، من هذا كثر الحديث في عهد قريب عن تبسيط إجراءات التقاضي والبحث عن الحلول التي تكفل سرعة الفصل في القضايا ومحاولة من الثغرات التي ينفد منها البعض التمايل على القانون وإطالة أمد التقاضي، ولمواجهة طرق التقاضي الكيدي، وإيجاد سبل حقيقية للتصدي له سواء بتعديل التشريع أو التصدي لمستغلي حق التقاضي المشروع للحصول على أهداف غير مشروعة
ومن المعلوم أن المشرع المغربي لم يعرف أنا المقصود بالبطء في التقاضي، كما أن غالبية الذين تناولوا هذا الموضوع، تناولوه من خلال التجليات والمعالم التي تظهر مدى البطه في التقاضي، لدى فقد ارتأينا إدراج تعريف شامل ومبسط للدكتور محمد حلمي أبو العلا الذي عرفه ب "وجود بعض الأنظمة والقواعد الإجرائية وتوزيع العمل والدعاوى على المحاكم التي من شأنها في ذاتها أو باستغلال الخصوم و أعوان القضاء لها أن تود إلى تأخير الفصل في القضايا وتكدس القضايا بالمحاكم 1190
كما تجدر الإشارة إلى أن إثارة ظاهرة البطء في التقاضي في المغرب ليست وليدة اليوم بل هي قديمة. ترجع لظهور القضاء كجهاز الإحقاق العدل بين الناس، غير أن الحديث عنه كثر بالإضافة إلى جملة من
11- محمد علمي أبو العلاء البطم في التقاضي الأسباب والحلول دراسة تحليلية انتقائية ، الطبعة 2015 ص .. 110 - محمد حلمي أبو العلاء مرجع سابق من 11
مكامن الخلل الأخرى التي عرفتها منظومة العدالة في المغرب منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا بدرجات متفاوتة ضمن إصلاحات سنة 1965 الرامية إلى مغربة وتعريب القضاء، مرورا بإصلاحات سنة 1974 والتي هدفت إلى إعادة صياغة التنظيم الهيكلي للقضاء، وتقريب مؤسسات العدالة من المتقاضين، وتبسيط الإجراءات والمساطر و إصلاحات فترة التسعينات (1993-1997) التي توجت بإحداث قضاء متخصص إلى جانب القضاء العادي، من أجل تيسير المساطر بحسب طبيعة النزاع مراعاة للتخصصات وأخيرا وليس آخرا إصلاحات 17 غشت 2011 التي جاءت بعد إقرار دستور جديد للمملكة في فاتحيوليوز 2011 والذي نص في فصله 120 على أنه " لكل شخص الحق في محاكمة عادلة ، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم 1000
لقد أجمع الفقه 121، على أنه لا يمكن الحديث عن مبدأ الولوجية إلى العدالة، دون احترام الالتزام بالوقت المعقول للدعوى 122، أي أن الوقت الذي ينبغي أن يصل فيه المتقاضي إلى الحصول على حقه عن طريق حكم قضائي قابل التنفيذ، وبالنظر لأهمية هذه القاعدة، فقد نصت عليها المادة السادسة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان، والتي جاء فيها على أن كل شخص له الحق في الحصول على حكم قضائي يتعلق بحقوقه وواجباته داخل أجل معقول 123
ولا أحد يذكر ما كان للخطب والكلمات والرسائل الملكية من دور كبير في الدفع بعملية الإصلاحالشامل والعميق المنظومة العدالة بصفة عامة، وتوجيه القضاء نحو تحقيق النجاعة القضائية المرجوة بالسهر على فورية البت في النزاعات وسرعة الإنجاز على مستوى سريان الأحكام من جهة ، وضمان سريان مفعولها على من يعنيهم الأمر من جهة أخرى من بين تلك الخطب والكلمات تسوق كلمة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح أشغال المجلس الأعلى القضاء يوم 25 دجنبر 1999 حيث قال: " ... ومن البديهي أنه لن يحقق القضاء هذا المبتغى إلا إذا ضمن لهيئته الحرمة اللازمة والفعالية الضرورية بجعل الحكامة الصادرة باسمنا تستهدف الإنصاف وفورية البت وتنفيذ وجريان مفعولها على من يعنيهم الأمر 1200 وكذلك خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى للسنة التشريعية الخامسة للبرلمان بالرباط يوم 10 أكتوبر 2001 والذي جاء فيه : " .... كما أننا مصممون ينفس العزم على السهر على مواصلة إصلاحالقضاء الذي يتعين عليه أن يطور موارده البشرية وأجهزته و مساطره، ليستجيب لمتطلبات العدل
1 الفصل 120 من الدستور المغربي الصادر في فاتح يوليوز 2011 PAGETI L'accès au dorit Logique de marché en enjeux sociaus. Revue de droit et
зосій 30/31 1995 р 7. DEVEDILAN Pank-Le temps des jagts FLAMMARION. Sons année P.27. KRINGS E Le délai raisonnable à la himière de la jurispnadence de la cour de Strasbourg vers un droit substantiel a 'exécution des décisions de justice. Intervention dans un séminaire international organisé de 14 an 16 janvier 1999 à Lisbonne intitulé. Efficacité de la justice civile en Evrope. P 229. - أنس المسول موضع المهن القانونية والقضائية الحرة من إصلاح منظومة العدالة بالمغرب "خطة العدالة نموذها . مقتطف من الكلمة السامية للملك محمد السادس بمناسبة افتتاح النعال المجلس الأعلى للقضاء سابقا محكمة النقص حاليا يوم 25 تجنبر 1990)، الطبعة 2017 ص 23
والشفافية، والنزاهة والإنصاف وسرعة الانجاز، على مستوى إصدار الأحكام وتنفيذها مشيعا بذلك روح الثقة المحفزة على الاستثمار 12500
من هذا كان هدف هذا الموضوع هو البحث عن أسباب ظاهرة البطء في التقاضي، ووضع الحلول الممكنة في سبيل القضاء عليها أو الحد منها.
والمعالجة هذا الموضوع ارتأينا وضع الاشكالية التالية
ما مدى تأثير البطء في التقاضي على النجاعة القضائية باعتبارها أحد الركائز الأساسية لتحقيق الحكامة القضائية المنشودة
وللإجابة على هذه الإشكالية يتطلب منا الأمر التعرض للتشخيص واقع البطء في التقاضي في المنظومة القضائية المغربية مع رصد أهم تجلياتها وتبعاتها على كافة جوانب العدالة (المبحث الأول) ومن جهة ثانية البحث عن سبل ناجعة من أجل التصدي لهذه الظاهرة بما من شأنه الرقي بالمنظومة القضائية وتحقيق النجاعة المطلوبة (المبحث الثاني)
المبحث الأول: تشخيص واقع ظاهرة البطء في التقاضي في النظام القضائي المغربي
حقيقة أن طول العدالة هي ظاهرة قديمة، بل أن التأخر في استصدار الأحكام القضائية، الشعر المواطنين بغياب العدالة، ومن ثم فان هذا العيب لا يقل عن أهمية عن تكلفة المحاكم التي تعتبر هي الأخرى عاملا سلبيا تواجهه المحاكم أو النظام القضائي المؤسساتي 126
لذلك يتطلب تشخيص ظاهرة البطء في التقاضي بداية البحث عن الأسباب الحقيقية التي تعرقل السير العادي للعدالة، من خلال جرد أهم العوامل المسببة في هذا البطء سواء على المستوى التشريعي أو على مستوى توزيع الموارد البشرية والخريطة القضائية بالمغرب المطلب الأول)، ومن ناحية أخرى، تقتضي منا ضرورة فهم الموضوع والإلمام بجميع أبعاده التعرض لأبرز المتدخلين في منظومة العدالة، ودورهم في تكريس هذا النطع، نظرا لارتباطهم الوثيق بالسلطة القضائية ولكونهم اليات مساعدة للجهاز القضائي في النهوض بأعيانه القانونية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: العوامل المسببة في البطم في التقاضي بشكل البطء في التقاضي أحد أهم المعوقات الأساسية السير العدالة، وهو أمر يرتبط بعدة أسباب، منها ما هو في طبيعة تشريعية، يرتبط بمختلف القوانين والإجراءات المسطرية المنصوص عليها قانونا الفقرة الأولى)، ومنها ما هو مرتبط بالتوزيع غير المعلن للخريطة القضائية على المستوى الترابي للمملكة، واخر مرتبط بالموارد البشرية (الفقرة الثانية).
- كيس السول، نفس المرجع السابق مقتطف من خطاب الملك محمد السكس بمناسبة افتتاح الدورة الأولى للسنة الرحمان الشرقاوي، قانون المسطرة المدنية، دراسة فقهية وعملية مقارنة مع مسودة مشروع قانون المسطرة. التشريعية الخامسة للبرلمان بالرباط يوم 10 أكتوبر 20001) من 25 المدنية، مطبعة المعارف الجديدة الطبعة الرابعة، 2020 سنة من 15. عبد
الفقرة الأولى: الاكراهات التشريعية
إن العدالة تتحقق بتقرير الحق لصاحبه، ولكن حتى تكون عدالة كاملة غير ناقصة لابد أن يصدر الحكم غير أن التحقيق هذا الهدف، تعترضه مجموعة من العراقيل تجتمع في شكل مساطر وإجراءات، ويعتبر التبليغ والتنفيذ من أكبر المعيقات التي تواجه العدالة، على اعتبار أن أغلب حالات البطء وعدم الفعالية الذي بموجبه يحصل صاحب الحق على حقه بالسرعة المطلوبة.
سبيها تعثر التبليغ وتعذر التنفيذ، ناهيك عن إشكالية تحرير الأحكام والعطلة الفضائية.
يعتبر هذا الأخير من أهم وأعقد المساطر بل وأخطرها أثرا في حقوق الأفراد، إذ تعد مسطرة التبليغ أولا: على مستوى التبليغ
https://drive.google.com/file/d/1-Z2Zg0TuYxSaavmuzaCjNzirvbga_GjQ/view?usp=drivesdk
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- رسالة ماستر بعنوان المستجدات المتعلقة بالتقييد على الرسوم العقارية على ضوء القانون 14.07
- الإشكالات القانونية المتعلقة بتوزيع الأراضي الفلاحية من أملاك الدولة
- رسالة ماستر بعنوان حماية الحقوق الناشئة على مطلب التحفيظ عن طريق مسطرتي الخلاصة الإصلاحية والايداع
- الحماية الجنائية للحق في الصورة
- نظام التنفيذ المعجل على ضوء قانون المسطرة المدنية
- رسالة ماستر بعنوان أزمة القواعد العامة للتعاقد في ظل إجراءات الوقاية والمعالجة من صعوبات المقاولة
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- أطروحة سلطة القاضي في الاثبات في المادة المدنية
- أطروحة اطروحة الحماية القانونية لديون الدولة الجبائية
- التدبير العمومي المحلي وإشكالية التحديث أطروحة لنيل الدكتوراه
- دور السياسة الجنائية في تحقيق الأمن الرياضي أطروحة دكتوراه
- أطروحة المنازعات الجبائية في مجال الضرائب المباشرة بالمغرب
- إثبات دعوى استحقاق العقار غير المحفظ
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- بحت تخرج الملحقين القضائيين بعنوان جنح اهمال الاسرة بين القانون الجنائي ومدونة الاسرة 2015
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان الإنذار العقاري على ضوء العمل القضائي
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان القضاء الإستعجالي في المادة الإدارية
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان الجريمة المعلوماتية على ضوء العمل القضائي المغربي
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان ثبوث النسب بين النص والتطبيق