مقدمة:
لقد ظلت علاقات الشغل و إلى عهد قريب تخضع المبدأي سلطان الإرادة و العقد شريعة المتعاقدين، إلا أنه و بسبب ما جره هذان الميدان من مساوئ على الطبقة العاملة اضطرت التشريعات المقارنة إلى التدخل في علاقات الشغل و خلق إطار قانوني بتلاءم و خصوصية
هذه العلاقات
و إذا كان إلى عهد قريب ينظر إلى المقاولة باعتبارها من الناحية الاجتماعية حلية صراع و نزاع بين الفرقاء، فقد أصبح الآن مطروحا النظر إليها من زاوية اعتبارها فضاء الخلق الثروات وفرص الشغل، وإذا كان ضروريا أن تساهم في انعاش و تطوير الاقتصاد الوطني، فلا بد أن يتم بموازاة ذلك مراعاة واقع الطبقة الاجتماعية المستضعفة الطبقة الشغيلة
ذلك أن طبيعة عقد الشغل تختلف باختلاف الالتزامات التي يولدها هذا الأخير، فهي، و ان كانت واضحة محددة بالنسبة للمشغل، ولا تتجاوز إطار أداء الأجر، و مكان تنفيذ الشغل و عدم إرهاق الأجير، فإنها بالنسبة لهذا الأخير الأجير غير محددة نتيجة لأثر التبعية التي يتمتع المشغل في ظلها بسلطات واسعة ومتعددة توجيهية إدارية و تأديبية داخل المؤسسة، وهو ما يعطي الانطباع على أنه الحكم الوحيد فيها، له اقتضاء الحق بنفسه دونما أي رقيب، في ظل علاقة تقسم مسبقا بعدم تساوي المراكز القانونية، والواقعية للأطراف
و من هنا تبدأ صعوبة وخصوصية دور القضاء في حل هاته النزاعات، خاصة وأن لتدخل المشرع لوضع حدود حمائية المصلحة الأجير لم يكن من شأنه التقليل من أهمية مبدا
François Varvin: "Le pouvoir patronal de direction dans l'entreprise Thèse pour le doctorat en droit, université Lumière-lyum2, 2000, P 155. الشغل بين . عبد اللطيف خالفي: "الوسيط في مدونة الشغل علاقات الشغل الفردية"، الجزء الأول، الطبعة الأولى المطبعة والوراقة الوطنية، الطبعة الأولى 2004 نص 18 استادي محمد الشرقاني علاقات الحكام تشريع الشغل و مشروع مدونة الشغل"، الطبعة الأولى، دار القلم الرباط 2003- من 3 عز السعيد: "العمل القضائي المغربي في مجال نزاعات الشغل الفردية، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديد الدار البيضاء، 1999، ص 11
الحماية القضائية للأجير
تبعيته للمشغل، و هو ما يعطي الانطباع عن فشل القانون في تنظيم هاته العلاقة، بعد أن أصبح رائدها التناقض و المواجهة، وهو ما توحى به النصوص الشغلية المتسمة بانعدام التناسق الشكلي و الموضوعي
فمهما بلغت الحماية والحقوق و الضمانات المقررة للأجير، ومهما بلغت المكتسبات التي حققها المشرع للشغيلة على مستوى القوانين الموضوعية، فسيبقى ذلك كله عبدا إذا لم يكن هناك تنظيم قضائي قادر على نقل تلك الحقوق والحماية و الضمانات، و من حالة السكون إلى حالة الحركة، وذلك عن طريق الجبر عند المس بها أو خرقها ؟
إذ تعتبر النصوص القانونية عند وضعها من طرف المشرع نصوصا جامدة، والذي بيت فيها الحركة هو القضاء، فالمشرع وان قصر في وضع النصوص التي تستطيع مجاراة التطور، فإن المهمة تنتقل إلى الجهاز القضائي الذي عليه أن يعد كل نقص في هذه النصوص، ذلك أن وظيفته لا تقتصر على تطبيق القاعدة القانونية الجامدة كما هي، وإنما من واجبه أيضا أن يسد كل ثغرة تظهر في صرحها وأن يجعلها مسايرة للتطور الاجتماعي "
وهكذا، فالقضاء لا يخلق من الوجهة النظرية قواعد قانونية عامة ومجردة، ومع ذلك قاله وبما يصدره من أحكام وقرارات فإنه يساهم في إنشاء هذه القواعد القانونية العامة، وذلك عندما تستقر أحكامه على اتجاه معين، فحينما تأخذ محكمة ما أو أكثر من محكمة بحل معين فيما يعرض عليها من منازعات ونوازل وتأخذ غيرها بذات الحل في المنازعات والنوازل المشابهة، فإن هذا المسلك يجعل الحل المأخوذ به ليس صادرا عن حكم فردي بل صادرا عن القضاء كمصدر و لو تفسيري للقاعدة القانونية، لذلك يتعين التفرقة بين حكم المحكمة وحكم
لعالم العلوي التقييم تجربة التنظيم القضائي في المادة الاجتماعية الواقع و الأفق"، الندوة الثانية للقضاء الاجتماعي، المعهد الوطني للدراسات القضائية، يومي 25-26 فبراير 1992، منشورات جمعية اللحية البحوث والدراسات القضائية، 1993، من 340 عز الدين الماحي: المدى مساهمة الاجتهاد القضائي عالي في النشاء الـ القواعد القانونية. مقال منشور بمجلة المنتدى، ع الرابع، يوليوز 2004، من 157 فى الاجتهاد القضائي بوصفه عملا ذهنيا ابداعياء يجعله يحمل معنيين أحدهما خاص و الآخر عليه فيقصد بالأول: مجموع الأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم الهيئات ذات الطبيعة الفضائية) في مسألة قانونية وبتعبير آخر هو مجموع الحلول القضائية الصادرة عن المحاكم، للمزيد راجع في هذا
2
الحماية القضائية للأجير
القضاء، فالأول لا يطلق سوى حلول فردية خاصة، في حين أن الثاني يعتبر مصدرا من مصادر القاعدة القانونية في حالة استقرار المحاكم على اتجاه معين، لذلك فإن علاقة القضاء مع التشريع لم تعد بالشيء الهين والبسيرة اللبس الذي يكتنف النصوص أحيانا والغموضها أحيانا أخرى
إلا أن القضاء الاجتماعي القائم اليوم ليس هو ذاته في فترة ما قبل الحماية، ولا هو نفسه بفترة الحماية، ولا هو في فترة الاستقلال و المرحلة التي أعقبها، إذ من بتطورات مهمة، وفي مراحل تاريخية مختلفة.
ففي فترة ما قبل الحماية، لم يوجد في المغرب محاكم خاصة تنتظر في النزاعات المترتبة عن علاقات الشغل، فالخلافات التي كانت داخل مقتل المهن والحرف كان يتولى فضها أمين الحرفة عن طريق التحكيم، فإذا لم ينجح في ذلك التجا إلى المحتسب كما لم يكن في المغرب في أول عهد الحماية محاكم خاصة للبث في قضايا الشغل، فهذه الأخيرة، كانت
الإطار بموسى عود الاجتهاد القضائي ودوره في خلق القاعدة القانونية"، مقال منشور بمجلة
المحاميات عام دون ذكر السنة، من 10 A. de theu, I. Kovalovszky et N.Bernand:" Précis de méthodologie juridique, les sources, documentaires du droit", Publications des facutés universitaires. Saint-Louis, Bruxelles, 2000, P 33
أما المعنى الخاص فهو الحل الخاص الذي يضعه القضاء بشأن قضية معينة، أي مجموع الحلول القانونية التي تتوصل إليها المحاكم بمناسبة معالجتها للإشكالات القانونية للمزيد راجع في هذا الإطار: G.D.Genevieves"Institution judiciaires et juridictionnelles", Paris, 1987, P45. بوبشير محمد اسفران تحول الاجتهاد القضائي بين النص والتطبيق"، مجلة المحاماة ع 2. 53 2004، ص
ملفي الاجتهاد الله والقرارات المجلس ة الوطنية مراكش 2000 فيما يميز الفقه الإسلامي عن الاجتهاد الاستنباطي و بين الاجتهاد التنزيلي، راجع في هذا الإطار. على حب الدو دراسات في فلسفة أصول الفقه والشريعة ونظرية المقاصد"، الطبعة الأولى دار الهادي بيروت لبنان 2005، ص 606-67 عند اللطيف خلفي "الاجتهاد القضائي في المادة الاجتماعية رصد الميلادي والقراراء الأعلى ومحاكم الاستئناف 1998-1968، الطبعة الأولى المطبعة والوردة
م 6 محمد سعيد بنتي قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل علاقات الشغل الفردية، الجزء الأول، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، 2005 ، من 36 فنظامنا القضائي الاجتماعي فى مل بتارجح بترجع من من عدة عدة اختبارات و تجارب واحده فقد عرف ما بين. . 1974ء أي في 4 سنة 1957 و رب دون ان يستر على رحال حال عدون سبعة عشر سنة فقط ثلاثة تجارب، في الوقت الذي صمدت فيه أنظمة القضائية اجتماعية مقارنة عقودا من الزمان، الطورت فيها داخل نفسها و تأصلت داخل بنائها الهيكلي الأصيل، كفرنساء المزيد راجع في هذا الإطار عالم العلوي: التقييم تجربة التنظيم القضائي في المادة الاجتماعية الواقع والأفاق". م م ص 344
الحماية القضائية للأجير
من اختصاص محاكم الصلح و المحاكم الابتدائية طبقا للقواعد العامة، إلا أنه مع ازدياد المشاريع الصناعية ونمو الصناعة و ما صاحب ذلك من كثرة اليد العاملة، خاصة الأجنبية عنها، عملت سلطات الحماية الفرنسية على إنشاء أول جهة قضائية ينحصر اختصاصها في البت في النزاعات التي تنشب بين العمال و أصحاب الأعمال.
و هكذا، قامت الحماية بتأسيس مجالس الخبراء " Les conseils de Prud hommes" تشهير 16 شهر 1929 اذ قامت بنقل تجربتها في ميدان قضاء الشغل إلى المغرب، حيث بادر نابليون الأول إلى إحداث أول مجلس للخبراء في مدينة "ليون" في 18 مارس 1806 و لذلك للنظر في النزاعات التي تحصل بين الأجراء والمشغلين، وكانت هذه المجالس تتكون من قاضي الصلح رئيسا، و من عضوين يمثلان العمال و عضوين يمثلان أصحاب العمل، ويتم تنصيب هؤلاء الأعضاء عن طريق الانتخاب
و بعد استقلال المغرب، حلت محاكم الشغل محل مجالس الخبراء، التي اتسع نطاق اختصاصها، بحيث أصبح يشمل جميع نزاعات الشغل الفردية آية كان جنسية الخصوص. لينتقل المشرع بعدها إلى توسيع دائرة النزاعات الاجتماعية عن طريق إحداث المحاكم الاجتماعية بواسطة الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 110-72-1 وذلك بتاريخ 15 جمادي الثانية 1392ء الموافق ل 27 يوليوز 1972 أسند إليها النظر في كل النزاعات الاجتماعية بما فيها قضايا التعويض عن حوادث الشغل و الأمراض المهنية وقضايا الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى النزاعات الفردية للشغل، و هي محاكم تتألف من قاض رئيس و عدد متساو من المستشارين المشغلين أو المستشارين المأجورين يعينون بقرار الوزير الشغل اعتمادا على اقتراحات المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا، وذلك لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد.
عبد اللطيف خافي: "الوسيط في مدونة الشغل: علاقات الشغل الفردية تم من، من 167 الحاج الكوري: "القانون الاجتماعي المغربي"، الطبعة الثانية، مكتبة دار السلام الرباط 2001، من 69 27 موسى عود: دروس في القانون الاجتماعي، الطبعة الثانية المركز الثقافي العربي، 1994ء م اسامة الأبوري: " تجربة المحاكم الاجتماعية بالمغرب (1974-1972) و الحاجة إلى إحداث فضاء اجتماعی متخصص، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في المين القضائية و القانونية، كلية
https://drive.google.com/file/d/1TS06kvNminPWAGKIH_PJODE4gxeBKbWg/view?usp=drivesdk
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- رسالة ماستر بعنوان قراءة في الزمن التجاري
- رسالة ماستر بعنوان الوضعية القانونية للمرأة السلالية
- رسالة ماستر بعنوان حماية الحقوق الناشئة على مطلب التحفيظ عن طريق مسطرتي الخلاصة الإصلاحية والايداع
- رسالة ماستر بعنوان الحماية الجنائية للعقار على ضوء العمل القضائي
- رسالة ماستر بعنوان الحماية الاجتماعية للمرأة
- رسالة ماستر بعنوان اجراءات التبليغ والتنفيذ في العمل القضائي
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- أطروحة التدبير الجماعي وإشكالية التدخل التنموي
- أطروحة اطروحة الحماية القانونية لديون الدولة الجبائية
- أطروحة دكتوراه بعنوان مشاركة المرأة في الحياة السياسية المغربية
- أطروحة القانون البرلماني المغربي
- التدبير العمومي المحلي وإشكالية التحديث أطروحة لنيل الدكتوراه
- سلطة القاضي في الاثبات في المادة المدنية
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان الإنذار العقاري على ضوء العمل القضائي
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان دعوى صعوبة التنفيذ الوقتية وإشكالاتها العملية دراسة عملية
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان التحكيم في نزاعات الشغل
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان أحكام التعدد بين مدونة الأسرة و العمل القضائي
- بحت تخرج الملحقين القضائيين بعنوان جنح اهمال الاسرة بين القانون الجنائي ومدونة الاسرة 2015
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان القضاء الإستعجالي في المادة الإدارية