مقدمة:
الجريمة ظاهرة اجتماعية، وهي من أشد الظواهر المرتبطة بالإنسان تعقيدا، عرفت مند وجوده وتطورت وتعقدت أشكالها وأساليبها ومناهجها ووسائلها مع تقدم المجتمعات. فظهرت الحاجة إلى العقوبة كوسيلة لمكافحة الإجرام منذ أن بدأ الإنسان ينظم حياته في تجمعات، فقد لازمت المجتمع الإنساني منذ نشأته إلى اليوم فاتخذت العقوبة في العصور الوسطى شكل عقوبات بدنية استهدفت جسم الإنسان لإيلامه أو تشويهه، حيث كان يرى الفكر البشري في جسم الإنسان أغلى ما لديه، لذلك استهدفت العقوبة الجسد للاقتصاص منه، وجعله عبرة لغيره. وهاته القسوة كانت مدعاة لقيام مرحلة فلسفية دعت لتصحيح الأوضاع اللاإنسانية، والوحشية التي عاشتها الأنظمة العقابية فقد تميزت هاته المرحلة بثورتها ضد تلك العقوبات، والمناداة بإقرار اتجاهات يغلب عليها الطابع الإنساني.
229
إذ بتطور المجتمعات تطورت معها النظرة لأغراض وأهداف وأنماط العقوبة، وكذا أساليب تنفيذها وهذا ما هو إلا نتيجة حتمية لظهور وتطور الدولة الحديثة، التي تكفلت بحماية حقوق الأفراد عن طريق الإقرار باتجاهات جديدة، تقيم العقوبة على أساس الشرعية الجنائية كخير ضمان الحقوق مرتكب الجريمة. و انسجاما مع ذلك ظهر ما يسمى بتفريد العقوبة كمؤسسة قانونية تغيرت معها النظرة إلى وظيفة العقوبة، لتنتقل من الانتقام والتنكيل إلى الإصلاح والتأهيل.
و في ظل هذا التطور اهتدى الفكر الجنائي إلى العقوبات السالبة للحرية كأنسب حل يمكن إحلاله محل العقوبات البدنية التي نادى بإلغائها، على اعتبار أن الحرية هي أثمن ما يملكه الإنسان. فالحرمان منها يعد عقوبة فائدتها إعادة تأهيل المحكوم عليه للعودة إلى الحياة الاجتماعية والخراطه فيها كعضو صالح.
فلا يخفى أن عملية التأهيل هي إستراتيجية تبنى على أسس علمية دقيقة، ومحكمة في إطار برنامج تهديب يزود المحكوم عليه بما يحتاج إليه من تربية مدنية، وأخلاقية ومهنية تساعده على إعادة التوازن التي أخلت به الجريمة في شخصيته.
و مما لا شك فيه أن نجاح تلك الاستراتيجية تقتضي وقتا كافيا، لتنفيذها داخل المؤسسة السجنية وتجنب كل ما من شأنه أن يعرقل عملية الإصلاح والتأهيل التي تعتبر أسمى هدف للسياسة العقابية الحديثة التي ترى في السجن مؤسسة إصلاحية واجتماعية بالدرجة الأولى، وليس وسيلة لتنفيذ العقوبة والزجر فحسب. لكن سرعان ما أثبتت التجربة للعيان أن تحقيق الهدف الإصلاحي والتأهيلي من خلال العقوبات السالبة للحرية ليس بالسهولة التي كان يعتقدها دعاة الإصلاح. فقد كشفت العقوبات الحبسية وخاصة
1 - عبد اللطيف العراج زهير الخليفي آثار العقوبة السالبة للحرية،
تحت لنيل شهادة الماستر في علوم تدبير وتسيير المؤسسات السجنية
الجامعة الدولية بالرياض السنة الجامعية 2018-2019، ص 4
2 جمال المحاطي، بداخل العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة في. ضوء التشريع المغربي والمقارن، الطبعة
الأولى، مكتب الرشاد سطات
ISSN:7476-2605 ردمد
RERJ-N°11
3 2015، ص
المجلة الإلكترونية للأبحاث القانونية 2023 العدد 11
القصيرة منها عن مساوئها التي تبين أنها تتعارض مع الهدف المذكور، وأنها تفسد المحكوم عليه بدل إصلاحه. فهي بالنظر إلى قصر مدتها لا تكون كافية بتطبيق برنامج إصلاحي يستفيد منه المحكوم عليه، فيكون دخوله للسجن آثار سيئة تمس مختلف نواحي حياته الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، كما تمتد هاته الآثار لتطول أفراد عائلته والمجتمع ككل الذي يتحمل تبعية فشل العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة، بل تعد سببا للعود الجنائي ناهيك عن الاكتظاظ في السجون، وارتفاع النفقات المخصصة لتنفيذها التي تثقل كاهن الدولة من جهة وأسرة المحكوم عليه من جهة ثانية.
فمن هذا المنطلق اتجهت العديد من التشريعات المقارنة إلى إقرار بدائل جديدة للعقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة كخيار إستراتيجي يعول عليه، لتجاوز الفشل التي برهنت عنه سياسة العقاب، وللتخفيف من حدة الآثار السلبية السياسة الزجر والردع ..
230
فقد أصبح البحث عن هذه البدائل مطلبا عالميا على اعتبار أن الحد من الإجرام والعود غير ممكن إلا بتبني منظور حداثي المفهوم العقوبة بشكل يضمن أنستنها، ويضع حدا لنظرة التهميش والإقصاء الموجهة للمجرم، وهذا ما هو إلا ترجمة لسياسة جنائية حديثة أكثر ملائمة للعصر والأفكار السائدة، وكذلك تستجيب لتطورات الظاهرة الإجرامية، حيث تتضمن السياسة الجنائية الحديثة جملة من البدائل: فمنها ما هو مقيد للحرية ويستبعد السجن كجزاء سالب للحرية كالعمل من أجل المنفعة العامة، والمراقبة الإلكترونية، ومنها ما هو ذو وظيفة مالية كالغرامة والغرامة اليومية كما يمكن الاستعانة ببدائل تعرف
https://drive.google.com/file/d/1yoej2O-qijdy2HBL9chgyCO5Dg6KMEKs/view?usp=drivesdk
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- البحث الإثبات بالوسائل الالكترونية
- رسالة ماستر بعنوان المسؤولية الجنائية و المدنية للموثق العصري
- رسالة ماستر بعنوان الامن الرقمي ومكافحة الجريمة المعلوماتية في المغرب
- الحماية القانونية للمستهلك الإلكتروني
- النزاعات المرتبطة بالسكن الوظيفي على ضوء الاجتهاد القضائي
- رسالة ماستر بعنوان الإدارة الإلكترونية في ظل الأزمات أزمة كورونا كنموذج
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- أطروحة تحت عنوان المظاهرة القانونية لحماية المستهلك
- أطروحة التدبير المالي الترابي بين إكراهات الواقع ومتطلبات الحكامة
- أطروحة أحكام اجتهاد القضاء الاداري في المنازعات الضريبية
- أطروحة دكتوراه بعنوان علاقة السياسة بالإعلام السمعي البصري بالمغرب
- أطروحة القانون البرلماني المغربي
- أطروحة القرار التنظيمي في القانون العام المغربي
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان دعوى إتمام إجراءات البيع من خلال العمل القضائي
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان الهبة والصدقة إشكالية حوز الموهوب له من خلال أدلة الفقه والقضاء
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان دعوى إتمام إجراءات بيع العقار المحفظ
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان إشكاليات الحمل خارج مؤسسة الزواج
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان الطعن بالزور الفرعي بين النص القانوني و العمل القضائي
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان التحكيم في نزاعات الشغل
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- التحرش الجنسي عبر الوسائط الإلكترونية pdf
- مسطرة حجز الأصل التجاري في القانون المغربي.PDF
- منازعات الملك الغابوي في ضوء الاجتهاد القضائي
- عرض الجرائم المتعلقة برأس مال الشركة
- جهاز كتابة الضبط و علاقته بالمهن المساعدة للقضاء
- دور الإدارة في منع جنوح الأحداث