حاول المشرع المغربي السير على نهج أغلب التشريعات الزجرية في البلاد المتقدمة بتبنيه العدالة التصالحية، والمتجلية في السعي إلى تحقيق توافق فيما بين أطراف متنازعة تصح إقامة الدعوى العمومية في مواجهة على الأقل طرف من هذه الأطراف، وهكذا أسند لوكيل الملك لدى المحطمة الإبتدائية وفق شروط ضمنها بنص المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية، بغية تحقيق مجموعة من الأهداف، منها إعفاء المشتكى به من المتابعة وما يترتب على ذلك من الإساءة إلى سمعته، من خلال تضمين الجرائم المقترفة في سجله العدلي ، الأمر الذي قد يكون له بالغ الأثر على حياته العملية، ومنها كذلك جبر الضرر اللاحق بالضحية من طرف المعتدي ،إلى غير ذلك من الأهداف. هذا وإن تحقيق هذه الأهداف إعترضته مجموعة من الإشكاليات العملية على مستوى الدائرة الإستئنافية بطنجة خاصة في السنوات الأولى لتطبيق قانون المسطرة الجنائية ومن ذلك : ما إذا كان يحق للنيابة العامة توجيه الأطراف إلى إجراء الصلح إذا تبين لها اندراج الفعل الجرمي ضمن زمرة الأفعال التي يجوز التصالح بشأنها، أم أن الأمر رهين برضا الأطراف، وقد استقر عمل المحاكم بهده الدائرة إلى عدم حمل النيابة العامة للأطراف على التصالح إذا لم يعبروا عن ذلك صراحة، ونعتقد هنا أن على وكيل الملك أن يجد في البحث عن أسباب الصلح وأن يوضح للطرفين خاصة الضحية مزايا الصلح ونتائجه . هذا وإن المشتكي قد يتقدم بشكاية في مواجهة مشتكى بهما وظهر من أول وهلة أنه يمكن إجراء صلح مع أحدهما دون الآخر ، كأن تفرز الدراسة على أن منهما يمكن متابعته بمقتضى الفصل 400 من القانون الجنائي والتاني بمقتضى الفصل 401 من ق ج ،ثم يتقدم المتضرر بطلب الصلح مع المتهم الأول ، فهل يمكن إجراء مسطرة الصلح في حق الأول دون الثاني ؟ للجواب على هذه الإشكالية في نظرنا أنه لا يتم اللجوء إلى مسطرة الصلح نهائيا على اعتبار أن الجنحة التي سيتابع بها المتهم الثاني لا تخضع لإجراءات الصلح ،إذ الغاية من نظام المصالحة هو إنهاء النزاع الأمر المتعذر في مثل هذه النوازل . ومن الإشكاليات المتعلقة بمسطرة الصلح بعد إحالة محضر الصلح على رئيس المحكمة، أن المتضرر أو المشتكى به، قد يتخلف عن الحضور أمام غرفة المشورة رغم أن النائب الذي سهر على محضر الصلح قد أشعرهما بتاريخ انعقاد الجلسة فهل تتم المصادقة على محضر الصلح من طرف غرفة المشورة في هاته الحالة ؟ نرى أن المادة 41 من ق م ج لم تقدم جوابا عن هذا الإشكال لذلك فإننا نعتقد انه يجب على رئيس المحكمة المصادقة على محضر الصلح مادام أن الطرفين قبلا الصلح أمام السيد وكيل الملك بدون إكراه وهو جهة قضائية لها مصداقيتها في مثل هذه الإجراءات . كما نعتقد أنه يجب على الجهة المكلفة بإجراء الصلح التحري أكثر من عدم إفراغ مسطرة الصلح من محتواها ، إذا لم ينفد المعتدي ما التزم به ، حيث انه يجب أن تكون المصادقة على محضر الصلح رهينة بتنفيذ الالتزام حالا ، فإذا التزم المشتكي به بأداء تعويض لفائدة المتضرر مثلا ، فنعتقد انه عليه أن يقوم بإيداع مبلغ التعويض بصندوق المحكمة مقابل وصل يتسلمه ، بعدها يمكن إحالة الطرفين على غرفة المشورة ، حينها نضمن تنفيذ الالتزامات المعتمد بها في محضر الصلح – الأمر الذي يخدم غاية المشرع المتمثلة في إنجاح العدالة التصالحية ، وربح الوقت الذي تستغرقه مسطرة الصلح، وأن تتوج مجهواتد النيابة العامة ورئاسة المحاكم بالنجاح. هذا، ويستفاد من الفقرة السادسة من المادة 41 من ق م ج، أنه إذا لم يحضر المتضرر أمام وكيل الملك وتبين من وثائق الملف وجود تنازل مكتوب صادر عنه ، فانه يحق لممثل النيابة العامة اقتراح الصلح على المشتكي به، وهنا يثار إشكال آخر هل يجب استدعاء المتضرر لتأكيد تنازله حتى لا تقضي النيابة العامة بموقف مخالف لهذا الأخير؟ أم أنها تستغني عن استدعائه؟ لكن هذه الإشكالية يمكن التغلب عليها وذلك متى حضر المتضرر وصرح بأنه لم يتنازل عن شكايته على أساس أن الصلح لا يمكن أن يتحقق إلا برضا الطرفين ، وكما لرئيس المحكمة أن يصادق على محضر الصلح إذا احتج المتضرر أمامه على التنازل المدعى به بسبب عدم توافر شروط إجراء نظام المصالحة . ومن الإشكاليات العملية التي لم تتطرق إليها المادة 41 من ق م ج حالة تعدد المتضررين ، يتقدم البعض بطلب إجراء الصلح ومشتكى به، في حين يرفض باقي الضحايا إجراء الصلح معه ، فما الحل في مثل هاته الأحوال وجوابا على ذلك نرى أنه لا يمكن أن يتم قبول طلب الصلح، مادام أنه لم يشمل جميع الأطراف ، على اعتبار أن فلسفة المشرع من الصلح لا يمكن أن تتحقق لعدم إمكانية تجزئة هذه المسطرة ، ومن ثم تجد النيابة العامة نفسها مضطرة لمتابعة المشتكى به بالنظر إلى تشبث البعض من المتضررين بشكايتهم. هذا، وقد يتعدد المشتكى بهم ويعمد المشتكى إلى طلب إجراء الصلح مع احد المشتكى بهم دون الباقي ، بعد إقامة دعوى عمومية الأمر الذي تنتهي معه المحكمة إلى عدم تطبيق مسطرة الصلح ، لان المشرع قيد مسطرة الصلح بموافقة وكيل الملك في حالة اتفاق الأطراف على الصلح أي عدم إيقاف سير الدعوى(وسنتولى التعرض لذلك بتفصيل لاحقا)، ناهيك إذا جاء الصلح قاصرا على البعض دون الآخر. ونشير بهذا الصدد، أن ما تعرضنا له من إشكالات تنصب على وضعية رشداء، تنطبق كذلك على الأحداث في ما يخص الجنح بصريح نص الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة من المادة41 من قانون المسطرة الجنائية مع إدخال الغاية.
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- رسالة ماستر بعنوان التصالح و التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية ،دراسة قانونية وواقعية
- رسالة ماستر بعنوان مؤسسة المفوض الملكي في القانون و القضاء الإداري المغربي
- رسالة ماستر بعنوان الحقوق والحريات في الدستور المغربي
- الإثبات في عقود التبرعات العقارية الوقف والهبة نموذجا
- رسالة ماستر بعنوان الوضعية القانونية للمرأة السلالية
- قانون الأسرة المغربي أمام القانون الأوربي أي إمكانية التطبيق
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- أطروحة أحكام اجتهاد القضاء الاداري في المنازعات الضريبية
- أطروحة دكتوراه إصالح الميزانية العامة بالمغرب
- أطروحة سلطة القاضي في الاثبات في المادة المدنية
- إثبات دعوى استحقاق العقار غير المحفظ
- سلطة القاضي في الاثبات في المادة المدنية
- أطروحة دكتوراه بعنوان علاقة السياسة بالإعلام السمعي البصري بالمغرب
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان إشكالية الحضانة في الزواج المختلط
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان أحكام التعدد بين مدونة الأسرة و العمل القضائي
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان القضاء والعدالة التعاقدية
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان ثبوث النسب بين النص والتطبيق
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان الهبة والصدقة إشكالية حوز الموهوب له من خلال أدلة الفقه والقضاء
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان دعوى إتمام إجراءات البيع من خلال العمل القضائي