نقتصر في بيان هذه العلاقة على حالة الحرب فقط يستخلص – بصفة عامة – من الإحصائيات في كل من فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية أن بداية الحرب تشهد انخفاضا في عدد الجرائم لا يلبث أن يرتفع فجأة أثناء الحرب ويستمر هذا الارتفاع إلي ما بعد انتهاء الحرب بأكثر من سنتين لكي يعود مرة ثانية إلي المستوي الذي كان عليه قبل بدء عمليات القتال .
ويفسر الباحثون تقلبات الظاهرة الإجرامية بسبب الحرب على النحو السابق كما يلي : 1- أن بداية العمليات الحربية يترتب عليها انخفاض في حجم الظاهرة الإجرامية بسبب أ- الاضطراب الذي يصيب جهازي الشرطة والمحاكم ذلك أن جزءا كبيرا من أعضاء هذين الجهازين يستدعي للاشتراك في العمليات الحربية مما يقلل من كفاءة كل منها في الكشف عن الجرائم ومحاكمة مقترفيها.
ب-نظرا للإحساس بالتضامن الذي يسود بن أفراد المجتمع يترتب عليه انخفاض عدد الجرائم جـ- أنه مع بداية العمليات الحربية تتوافر فرص عمل جديدة في مصانع القوات المسلحة كما يحجم الأفراد عن الإفراط في استهلاك المواد المخدرة والمسكرة مما ينجم عنه انخفاض حجم الظاهرة الإجرامية في بداية القتال 2- الارتفاع المفاجئ لهذه الظاهرة أثناء القتال إلي ما بعد الحرب بفترة فيرجعه الباحثون إلي زيادة فرص ارتكاب الجرائم بسبب أ- تطبيق نظام البطاقات وفرض سعر إجباري للسلع الضرورية مما يخلق سوقا سوداء تزداد بسببه الجرائم الاقتصادية ب- تفكك الأسر وتشتتها بسبب استدعاء الأزواج للاشتراك في القتال .
جـ- كل هذا يؤدي إلي ضعف الرقابة داخل الأسرة ويدفع أفرادها إلي ارتكاب الجرائم .
د- عدم الاستقرار النفسي الناشئ عن هذه العمليات إذ تنخفض قيمة الحياة ذاتها في نظر الأفراد بسبب ما ينقل إليهم أو ما يشاهدونه من حالات القتل المتكررة .
3- استمرار زيادة حجم الظاهرة الإجرامية إلي ما بعد الحرب بفترة فيرجع إلي : أ- أن آثار الحرب تستمر إلي ما بعد انتهاء الأعمال القتالية ب- عودة المستدعين إلي الحياة المدنية يكشف عن صعوبة اندماجهم في المجتمع ويتولد لديهم نتيجة لذلك حالة عدم التكيف الاجتماعي التي قد تدفع بهم إلي ارتكاب الجريمة تزداد أثناء الحرب جرائم الأموال مثل السرقة والاحتيال وإساءة الائتمان والغش التجاري كما تزداد جرائم النساء عن جرائم الرجال وتكثر جرائم الأحداث يرجع السبب في ذلك إلي استدعاء أغلب الرجال إلي جبهة القتال .
ثانيا : علاقة السياسة الداخلية بالظاهرة الإجرامية : يتوقف تأثير السياسة الداخلية على الإجرام على طبيعة العلاقة بين الشعب والحكومة فإذا كانت هذه العلاقة يحكمها الأسلوب الديمقراطي وفي هذه الحالة يكون للسياسة الداخلية أثر سلبي على الظاهرة الإجرامية إذا تحد منها أو تؤدي إلي تخفيضها .
أما إذا ابتعد الحكم عن الأسلوب الديمقراطي وفي هذه الحالة يكون للسياسة الداخلية أثرا على الظاهرة الإجرامية .
وقد تدفع هذه الظروف السياسية مجموعة من الأشخاص إلي التمرد على الحكومة وعصيان أوامرها والعصيان والثورة – كأثر للنظام السياسي الفاسد – يؤثران على الظاهرة الإجرامية .
ولعل من الدراسات التي اهتمت بهذا الموضوع الدراسة التي قام بها كل من لمبروزو ولا شي .
يستخلص من هذه الدراسات أنه في أثناء العصيان أو الثورة لم تسجل زيادة في عدد الجرائم ولعل السبب يرجع إلي الفوضى التي تسود أثناء هذه الظروف وبصفة خاصة بين رجال البوليس وفي المحاكم .
أما بعد العصيان أو الثورة فقد رصدت الإحصائيات ارتفاعا في حجم الإجرام وهذا الارتفاع شمل بصفة خاصة الجرائم السياسية كجرائم الاعتداء على أمن الدولة وجرائم الصحف وجرائم التمرد والاعتداء على الموظفين .
تجدر الإشارة إلي أن ما يطلق عليه " بالمجرم السياسي " يجب إلا يوضع في نفس مستوي المجرم العادي من حيث درجة الخطورة الإجرامية أو من حيث اللوم الخلقي .
فهو لا ينطلق من مصلحة شخصية كالمجرم العادي وإنما المصلحة العامة ونبل الغاية هما الهدف وراء عصيانه أو ثورته من أجل هذا يتمتع المجرم السياسي في الدول الديمقراطية بمعاملة خاصة سواء من حيث العقوبات أو من حيث أسلوب تنفيذها هذا بخلاف الحال في الدول غير الديمقراطية أو دول المعسكر الشيوعي فالمجرم السياسي عندهم يعامل معاملة أقسي وأشد من معاملة المجرم العادي .
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- رسالة ماستر بعنوان التصالح و التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية ،دراسة قانونية وواقعية
- المسؤولية المدنية في عقد الزواج وانحلاله
- رسالة ماستر بعنوان عقود المشتقات المالية
- رسالة ماستر بعنوان دور المجلس الأعلى للحسابات في حماية المال العام و مكافحة الفساد
- ماستر الجماعات الترابية بين الإستمرارية و التجديد
- رسالة ماستر بعنوان مكانة الملك الغابوي في السياسة العقارية
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- أطروحة المنازعات الجبائية في مجال الضرائب المباشرة بالمغرب
- أطروحة حماية المستهلك بين القوانين العامة والخاصة
- أطروحة التدبير التعاقدي بين الإدارات المركزية و المديريات اللاممركزة بالمغرب
- أطروحة القرار التنظيمي في القانون العام المغربي
- التدبير العمومي المحلي وإشكالية التحديث أطروحة لنيل الدكتوراه
- أطروحة الوالي والعامل في التنمية المحلية
أنظر جميع مقالات هذا الموضوع :
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان التحكيم في نزاعات الشغل
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان الإنذار العقاري على ضوء العمل القضائي
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان الدليل العملي و دوره في اقناع القاضي الجنائي
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان إشكاليات الحمل خارج مؤسسة الزواج
- بحث تخرج الملحقين القضائيين بعنوان القضاء والعدالة التعاقدية